11:50 ص
0

الأصل والمنشأ :
هم مجموعات من الشباب من طلاب العلم الشرعي الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني ضد الشيوعيين، ثم عادوا بعد انتهاء الحرب إلى التفرغ للعلم والدراسة، ثم كان أن اندلع الصراع بين قادة الفصائل الأفغانية كما هو معروف بعد الاستيلاء على العاصمة الأفغانية كابول وتحريرها من الحكم الشيوعي. وتسبب هذا الصراع في خراب كبير وفوضى شاملة، سقط خلالها ما لا يقل عن ثلاثين ألف قتيل(1)، ونحو مئة ألف جريح، بخلاف من شُرّدوا وهُجّروا. ولم تنجح كل الجهود والوساطات في الوصول إلى نهاية لهذا الصراع، ولم تفلح أيضاً الصيغ المقترحة لتقاسم السلطة بين الرفقاء الذين غدوا فرقاء؛ حيث حلت الأثرة محل الإيثار، وأثبتت الأيام أن قوة المؤثرات القبلية والمذهبية، كان لها دفع أكبر من قوة دفع الجهود الإصلاحية، ولهذا أجهضت محاولات الصلح. وبدا شبح التقسيم يهدد أفغانستان، بعد أن سكنتها أشباح أخرى تمثلها الحرب الأهلية والمجاعات والأزمات والمؤامرات الداخلية والخارجية، بل إن خطراً آخر برز في الآفاق ظل يتهدد أفغانستان، هو عودة السيطرة الأجنبية في أثواب جديدة، بل لم يعد مستبعداً أن تعود الشيوعية نفسها بعد أن استعاد أذنابها عافيتهم، بعدما أنعشتهم روائح الدخان والنار والدمار!

ومن رحم الأزمة وعنفوانها ولدت الحركة فخطفت الأضواء وغيّرت الأجواء... ولدت حركة الطلاب لتكون صرخة ميلادها احتجاجاً تاماً على ما وصلت إليه الأمور. جاء الوليد ليقول لكل من ساهموا في إخراجه وميلاده العسير: أن كفوا.. قفوا... انتهوا..!


واندفع طلبة العلوم الإسلامية في مدينة قندهار إلى إعلان مقاومة الفساد والشيوعيين والأحزاب معاً في ربيع الثاني عام 1415ه.


وكان أول بروز إعلامي لحركة الطلبة في منتصف شهر نوفمبر من عام 1994م في مدينة (قندهار) العاصمة الملكية القديمة، تلك المدينة التي تفلّتَ زمامها ليصير إلى أيدي السرّاق والفساق وقطاع الطرق أثناء الحرب الأهلية، وحدث أن تربصت تلك العصابات بقوافل إغاثية قادمة من باكستان ومكونة من 20 شاحنة، وعدا قطاع الطرق عليها، فاعتبر الطلاب في المدينة هذا ضرباً من البغي والإفساد الذي لا يمكن السكوت عليه، فتصدى جمع منهم لاستنقاذ هذه القافلة من أيديهم.


وبالفعل نجحوا في تخليصها منهم، ولقد أكسبت هذه الحادثة طلبة العلم مصداقية عند الناس من مدينة (قندهار) فالتف حولهم متعاطفون كُثر، وأصبح لهم نفوذ ظل يتنامى ويتعاظم في الولاية، وتطلع الطلاب إلى استثمار هذا القبول وهذه القوة الناشئة بعد تنظيمها في إصلاح ما يمكن إصلاحه في الوسط المحيط بهم.


وواصل الطلاب وأتباعهم عملية التصدي لأعمال الفساد والإفساد في أنحاء الولاية.


وكانت (قندهار) التي يبلغ سكانها 300 ألف نسمة، نقطة البدء وقاعدة الانطلاق. لقد بسط الطلاب بعد أن أصبحوا حركة منظمة سيطرتهم على الولاية حتى استتب لهم الأمر فيها في ظل فراغ إداري في بلاد مترامية الأطراف لا تحكمها حكومة موحدة ولا قوية. وكغيرها من ولايات أفغانستان التي تقاسمتها الفصائل والقبائل والأحزاب؛ خضعت قندهار لإدارة هؤلاء الطلبة المنتمين في معظمهم إلى قبائل البوشتون، وولوا فيما بينهم واحداً منهم وهو الملا محمد عمر الذي كان ممن شاركوا في الجهاد عملياً، بقرينة شاهدة على ذلك، وهي فقده لإحدى عينيه في الجهاد، وكان قد عاد كأقرانه إلى طلب العلم بعد انتهاء موجبات الجهاد، فلما كوّن الطلاب حركتهم ورأّسوه عليهم، تشكل بعد ذلك مجلس شورى يضم ثمانية أفراد.


ويبرز هنا سؤال:


هل كان قادة المجاهدين القدامى على معرفة بالأفراد البارزين في حركة (طالبان) أم أن هؤلاء كما يشاع نكرات مجهولون لا يعرف لهم أصل ولا انتماء؟


الحقيقة أن كثيراً من قادة المجاهدين المعروفين، قد أثنوا في مبدأ الأمر على قادة الحركة باعتبار أشخاصهم، بل قد راهن الكثير منهم على أن يضموهم إلى صفوفهم، أو أن يستفيدوا منهم على الأقل.


فحكمتيار الذي يشاركهم في الانتماء القبلي حاول استمالتهم مظهراً الود لهم، ولكنهم لم يشاركوه تلك المشاعر، بل رأوا فيه مسؤولاً أساسياً عن الدمار الذي حاق بأفغانستان بعد الحرب!


أما أحمد شاه مسعود، فقد كف عنهم في البداية متعمداً لا حباً فيهم بل بغضاً في حكمتيار، ولعلهم يشاركونه في التخلص منه.


وأما الشيخ سياف وهو من أصدق القادة لهجة فيما نظن فقد أثنى عليهم أشخاصاً لا حركة، وقد سئل عن (طالبان) في حديث صحفي أجرته معه جريدة الحياه (7/2/1417ه): فقال (قادتها معروفون لدينا) وقصارى ما أخذه عليهم عدم استقلالية قرارهم، ولكنه قال أيضاً لمجلة الإصلاح عندما سألته عنهم: (هم أحبابنا، ولا زالوا على صلة بنا، وبعضهم في المواقع المرموقة في قيادة الطالبان يصارحوننا، بأنهم لا يعرفون ماذا سيفعلون) (الإصلاح:15/2/1417ه) .


ولكن الشيخ سياف كان يشارك القادة الآخرين نظرة الاستهانة بقدرات تلك الحركة في بدايتها، حتى إنه عندما سئل في المجلة نفسها عن مدى تهديد طالبان للعاصمة قبل دخولها قال: (أعتقد أنهم ليسوا على مستوى الاستيلاء على العاصمة).


أما رباني: فكان على معرفة جيدة بقادة (الطالبان) وقد صرح بذلك في بداية الأمر فقال: (تعاونا مع طالبان منذ البداية وقدمنا لهم كل الدعم، غير أن هذا التنظيم تخلى عن مبادئه الأصلية) وعن طريق يونس خالص، وعن طريق محمد نبي محمدي الذي كان نائباً له قبل دخول طالبان إلى كابول كان رباني يتابع شأن طالبان، وقد حاول محمد نبي أن يقنع رباني بالاستفادة من هؤلاء الشباب، واختلف معه بشأنهم وهما لا يزالان في السلطة وحاول أن يثنيه عن عزمه على التصدي لهم، وظهر هذا الاختلاف في العلن، حتى إن محمد نبي هاجم رباني بعد ذلك متهماً إياه ب (افتعال القتال ضد حركة طالبان لإيجاد مسوّغ يتيح لقواته إدخال البلاد في دوامة جديدة) ثم عبر محمدي عن رأيه الصريح فيمن يسعى للسيطرة لمجرد السيطرة، هل هم طلبة العلم، أم المعادون لهم فقال: (إن رباني وحكمتيار هما المتحاربان اللذان يحبان الكراسي، وسيظلان يتحاربان من أجلها) (الحياة 16/10/1415ه).


أما يونس خالص فكان منذ البداية متعاطفاً مع حركة الطلبة، بل إنه شاركهم عملياً في مساعيهم لتوحيد البلاد تحت حكومة واحدة، وخاصة عندما طلبت منه حركة طالبان أن يتولى تأمين العاصمة كابول، عندما حشدوا أكثر قواتهم صوب مزار الشريف في المحاولة الأولى لفتحها.


فالحاصل هنا أن الزعماء البارزين في حركة طالبان كانوا معروفين لدى الزعماء البارزين من قادة المجاهدين القدامى، وهذا مهم في نفي صفة النكارة عنهم، والتي يتعلق بها منتقدوهم ليصفوهم بعد ذلك بما هو أسوأ كوصفهم بأنهم عملاء لباكستان وأمريكا.. أو من الشيوعيين القدامى، أو أصحاب توجهات علمانية مخفية.. إلخ!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق